بينما تتجه المملكة العربية السعودية نحو اقتصاد قائم على المعرفة ومبني على الابتكار ضمن إطار رؤية 2030، تتطور إدارة المرافق بسرعة لتصبح أحد الركائز الاستراتيجية الأكثر أهمية. فبعد أن كانت تُعتبر في السابق وظيفة داعمة في الخلفية، أصبحت الآن محورًا رئيسيًا في مسيرة التحول الوطني، مدفوعةً بخطط البنية التحتية الطموحة، وتسارع وتيرة التحضر، والتركيز طويل الأمد على الاستدامة.
ومع مشاريع ضخمة مثل نيوم، تطوير البحر الأحمر، وذا لاين، لم تعد إدارة المرافق تقتصر على صيانة المباني، بل أصبحت جوهرًا لضمان استمرارية التشغيل، وكفاءة استخدام الطاقة، وتقديم خدمات ذكية في بيئة جاهزة للمستقبل.
ومع التحول السريع الذي يشهده قطاع العقارات في المملكة، تؤكد التقارير على الدور الاستراتيجي لإدارة المرافق في دعم كفاءة واستدامة الاستثمارات التي تبلغ قيمتها أكثر من 1.3 تريليون دولار أمريكي في البنية التحتية والعقارات.
سوق متنامية تتماشى مع رؤية 2030 | من المتوقع أن تتجاوز قيمة سوق إدارة المرافق في المملكة العربية السعودية 60.13 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2033
يشهد قطاع إدارة المرافق في المملكة نموًا غير مسبوق، حيث يُتوقع أن يتجاوز حجم السوق 50 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024، وأن يصل إلى أكثر من 60.13 مليار دولار بحلول عام 2033، مدفوعًا بمعدل نمو سنوي مركب يُقدَّر بـ 7% بين عامي 2025 و2032.
ويرتكز هذا النمو على التزام وطني بتحديث البنية التحتية، وتوسيع مشاريع المدن الذكية، وتحسين أداء الاستدامة في الأصول العامة والخاصة.
في الوقت نفسه، يشهد القطاع تحولًا هيكليًا جوهريًا؛ حيث بدأت النماذج التقليدية التي تعتمد على المدخلات في التراجع، لتحل محلها عقود تعتمد على النتائج والأداء، تركز على تحقيق قيمة قابلة للقياس وجودة خدمة طويلة الأمد وشفافية تشغيلية. ومع نضوج السوق، يزداد الطلب على مزودي خدمات إدارة المرافق المتخصصة الذين يمكنهم تقديم حلول متكاملة ومدعومة بالتقنيات الحديثة، بما يتوافق مع متطلبات القطاعات التجارية والصناعية والحكومية.
توقعات نمو سوق إدارة المرافق في المملكة العربية السعودية (2024-2033)
الذكاء الاصطناعي كمحفز في إدارة المرافق
يُعد الذكاء الاصطناعي (AI) من أكثر العوامل التحولية التي تعيد تشكيل مشهد إدارة المرافق في السعودية. ويُتوقع أن يكون عام 2025 نقطة تحوّل كبيرة، مع موجة من التقنيات الذكية التي تعيد تعريف كيفية تشغيل المرافق وصيانتها.
● الصيانة التنبؤية
تشكل الصيانة التنبؤية قفزة نوعية في هذا المجال. فبدلاً من الاعتماد على جداول الصيانة الدورية أو الانتظار لحين تعطل المعدات، تتيح منصات الذكاء الاصطناعي المتكاملة مع أجهزة استشعار إنترنت الأشياء (IoT) — مثل Azure IoT وHoneywell Forge — مراقبة الأصول في الوقت الفعلي. حيث تقوم هذه الأنظمة بجمع بيانات مثل درجة الحرارة والاهتزاز والضغط ووقت التشغيل، ثم تحليلها باستخدام خوارزميات تعلم الآلة للتنبؤ بالأعطال قبل حدوثها.
يسهم هذا النهج الاستباقي في تقليل التوقفات غير المخطط لها بنسبة تصل إلى 30% وخفض تكاليف الصيانة بنسبة تصل إلى 40%، مما يوفر وفورات تشغيلية كبيرة ويعزز الاستدامة، خاصة في البيئات الحيوية مثل المستشفيات والمطارات ومراكز البيانات.
● الذكاء الاصطناعي في إدارة المباني الذكية
يتجاوز تأثير الذكاء الاصطناعي نطاق الصيانة ليشمل أنظمة إدارة المباني (BMS). فهذه الأنظمة التقليدية يتم تطويرها باستخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتصبح أنظمة ذاتية التحسين تتفاعل في الوقت الفعلي مع الظروف التشغيلية. وتتحكم هذه الأنظمة في الإضاءة، وتكييف الهواء، والمياه، والمصاعد، وأنظمة الأمان، بالاستناد إلى بيانات إشغال المبنى، والتنبؤات الجوية، وتفضيلات المستخدمين.
● الاستدامة المعتمدة على البيانات وتقارير الحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG)
يمثل الذكاء الاصطناعي أداة قوية لدعم مبادرات الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية. حيث تتيح لوحات التحكم الذكية توليد تقارير استدامة فورية، وتتبع البصمة الكربونية، وتحسين إدارة الطاقة، وحتى تنظيم عمليات إعادة التدوير والنفايات. ومع تزايد الضغوط على الشركات لتقديم تقارير شفافة عن أدائها البيئي والاجتماعي، تمكّن هذه الأدوات الرقمية مديري المرافق من إظهار تقدم ملموس نحو تحقيق أهداف الاستدامة.
الذكاء الاصطناعي الوطني: منصة هيومن من صندوق الاستثمارات العامة
لدعم هذا التحول التكنولوجي، أطلقت المملكة في عام 2025 منصة “هيومن” – وهي مبادرة استراتيجية من صندوق الاستثمارات العامة تهدف إلى تعزيز مكانة السعودية كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء. وقد تم تخصيص أكثر من 77 مليار دولار لتطوير بنية تحتية متقدمة ومراكز بيانات قادرة على معالجة 7% من الأحمال العالمية للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.
ويعد هذا الاستثمار ركيزة أساسية لتمكين خدمات إدارة المرافق الذكية، حيث يوفّر قوة حوسبة قابلة للتوسع، وقدرات تحليل بيانات فورية، ومنصات سحابية موثوقة يمكنها دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعقدة عبر مختلف المشاريع، من المستشفيات الذكية إلى المطارات المؤتمتة والمدن صفرية الانبعاثات.
الخاتمة: مستقبل مبني على الذكاء والمرونة التشغيلية
إن المملكة العربية السعودية لا تبني فقط مدنًا ذكية، بل تؤسس لمستقبل يعتمد على الذكاء التشغيلي، والبنية التحتية المرنة، والنمو المستدام. وتُعد إدارة المرافق المدعومة بالذكاء الاصطناعي حجر الأساس لهذا التحول، حيث تمكّن الجهات من تحسين أداء الأصول، وخفض التكاليف التشغيلية، والارتقاء بجودة الخدمات في بيئة البناء المتطورة.
ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي ودمجه في خدمات إدارة المرافق، تستعد المملكة لتكون نموذجًا عالميًا في إدارة المرافق الذكية والمعتمدة على البيانات.